آخر الأخبار
Loading...
الثلاثاء، 7 مايو 2013

Info Post
سيبقى صراع البشر ما دامت هناك قلة متألهة، تحتكر الموارد، وتغتصب السلطة، وتنتشي بالتميز.
بقلم / دكتور محمد نبيل جامع
"عهد للوفاء"، هذا هو عنوان مقال الدكتور مصطفى النجار (المصري اليوم، 6/5/13) يتعهد فيه بالسياسة النظيفة وخدمة الناس، ثم لَمَحَت عيناي عنوان مقال الدكتور يحي الجمل "أفلح إن صدق" في نفس الصحيفة، يشكك فيها في قدرة الرئيس "المنتخب" على التمثل بعبد الناصر، فَرَبَطْتُ هنا بين العهد والوفاء به.
ألهمني هذان المقالان بإعادة التفكر في مفهوم السياسة النظيفة والسياسة الانتهازية خاصة وقد تناولت ذلك بصورة مختصرة في مقال سابق (2/4/2011) بعنوان:
"البرادعي وعمرو موسى بين رجل الدولة والسياسي."
والذي أثارني أكثر وأكثر هو سياسة الحكم الإخواني وموقفها من هذه القضية، وما هو مدى المقارنة بين البرادعي وعمرو موسى في ذلك مقارنا بالمقارنة بين أي منهما وحكم الإخوان المعاصر.
هل يمارس الحكم الإخواني الانتهازية السياسية؟ ربما يتطلب المنهج العلمي للإجابة على هذا السؤال البحث أولا عن أكثر المفاهيم صدقا لـ "الانتهازية السياسية".
هل يمارس حكم الإخوان الانتهازية السياسية؟ دعنا نتتبع مرة أخرى المقارنة بين السياسي ورجل الدولة ثم نقارن بحكم الإخوان.
في البداية لابد أن ندرك أن كلا من السياسي ورجل الدولة يعملان في عالم السياسة، ومن ثم فلابد أن يكون هناك شيء مشترك بينهما، أعتقد أنه هو "ضرورة القدرة على الوصول إلي الموقع السياسي". وبذلك فيمكننا القول أن كل رجل دولة سياسي، ولكن ليس كل سياسي رجل دولة، وذلك للأسباب أو الفروق التالية:
1. ينتمي السياسي دائما إلى حزب، أما رجل الدولة فليس بالضرورة أن يكون عضوا بحزب معين وإنما يعمل عامة من أجل مصلحة الدولة.
2. السياسي أناني يبحث عن المصالح الشخصية، أما رجل الدولة فهو يهتم بمصالح الناس.
3. السياسي يقبل الممارسات غير الأخلاقية في الحملات الانتخابية، والصندوق الانتخابي، ويلجأ أحيانا إلى الوعود الكاذبة والخداع، أما رجل الدولة فيمقت ذلك كله.
4. السياسي يفكر دائما في الانتخابات القادمة، أما رجل الدولة فيفكر دائما في الجيل القادم.
5. رحلة الحياة عند السياسي تتمثل دائما في كسب القضية التالية، أما رحلة الحياة عند رجل الدولة فهي طويلة لانهائية يسعى فيها بسلام وطمأنينة للارتقاء بمعنى الحياة.
6. السياسي لديه خبرة ولكن دون مهارة، وبالتالي تنحصر ممارساته في الانشغال بالعمل السياسي، بينما يمتلك السياسي مهارات تركز أساسا على إدارة أعمال الشعب وقضايا الدولة.
7. السياسي لا يبني دولة، أما رجال الدولة فهم البناءون لها.
8. السياسي ليس بمفكر ولا يمتلك رؤية متكاملة، ومن ثم فهو يهتم بالتفاصيل، فعلى سبيل المثال، نجده يسأل "هل نرفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 10% أو 15%، كما يهتم أيضا بتفاصيل الخطط دون الوعي بالحكمة من ورائها. أما رجل الدولة، فهو مفكر صاحب رؤية. فبالنسبة للمثال السابق، يسأل رجل الدولة: إذا كانت الدولة تستطيع تحديد الحد الأدنى للأجور، فلماذا لا يمكنها تحديد الحد الأقصى للأجور؟ ومن هنا فهو يهتم بالحكمة من وراء الخطط قبل تفاصيلها.
9. يُذَكًر السياسي رعيته دائما بما فعله لهم ويمن عليهم، في حين لا يهتم رجل الدولة بذلك لأنه منشغل بمستقبل أحفاد رعيته.
10. السياسي يمالئ الجماهير ويخضع لهم، لأنه يفكر في إعادة انتخابه، أما رجل الدولة فلا يخضع لصراخهم، ولكن يلتزم بالمبدأ الذي يقتنع بصحته حتى ولو بقي وحيدا بمفرده.
11. السياسي أجندته سرية ميكيافلية، بينما تكون أجندة رجل الدولة معلنة شفافة.
12. يحزن السياسي عند هزيمته، ويلجأ للانتقام وتصفية الحسابات، بينما لا يحزن رجل الدولة، وينتظر فرصا أخرى يحقق فيها قيمه وآماله.
الخلاصة: في عالم السياسة، بعد ثورة يناير الحبيبة، أكاد لا أرى رجل دولة واحدا عدا الدكتور البرادعي، الذي يتسابق الخلق في تشويهه، في حين يعج المسرح بالسياسيين. رحم الله مصطفى النحاس، وغاندي، ومارتن لوثر كنج، وفرانكلن روزفلت وأطال في عمر مانديلا. أكاد أرى جفافا في رجال الدولة بينما يرعبني الفيضان في السياسيين. هل يتمثل رجال الدولة بالديناصورات، كتب عليهم الانقراض؟ بينما يتمثل السياسيون بالذباب والبعوض يتكاثران ويزعجاننا ومع ذلك نتعايش معهما؟
الأمر المرعب في الإجابة على سؤال هذا المقال هو أن حكم الإخوان "المسلمين" قد حمل جميع خصائص "السياسي" المخزية وخرج تماما من نطاق المقارنة بين السياسة ورجولة الدولة.
 يكفي أن أقول في ذلك أنه قد خالف تماما هذه الآيات الكريمة التي قالها المولى سبحانه وتعالى لتكون الدستور الحق لأكرم خلقه ليثبت هذا الحكم الإخواني أنه يلتحف بالدين والدين منه براء:
إنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (النحل، 90) وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ الله إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ الله عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ الله يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (النحل 91).
هل صدق القول: "كما تكونوا يولى عليكم"؟ قولٌ صحيح المعنى، ولكنه ليس بحديث صحيح، بل إنه قول منتشر أيضا في الثقافة الغربية. هل يستحق الشعب المصري الآن حكم الإخوان؟ إذا كان الأمر كذلك فعلى الرعية نصح الحاكم، وهذا ما لا يجب أن نتوقف عنه. الذي ينساه الناس أيضا، قول آخر معاكسٌ ولكنه صحيح تماما، وهو "الناس على دين ملوكهم". وفي هذا يقول أبو منصور الثعالبي في كتابه "لطائف المعارف":
"كان الأغلب على عبد الملك بن مروان حب الشعر، فكان الناس في أيامه يتناشدون الأشعار ويتدارسون أخبار الشعراء، وكان الأغلب على الوليد بن عبد الملك حب البناء واتخاذ المصانع وكان الناس في أيامه يخوضون في رصف الأبنية، ويحرصون على التشييد والتأسيس، وكان الأغلب على سليمان بن عبد الملك حب الطعام والنساء، فكان الناس في أيامه يصفون ألوان الأطعمة ويذكرون أطايبها، ويستكثرون من الحرص على أحاديث النساء، ويتساءلون عن تزوج الحرائر، والاستمتاع بالسراري، ويتجاوزون في الباه، وكان الأغلب على عمر بن عبد العزيز حب الصلاة والصوم وكان الناس في أيامه يتلاقون، فيقول الرجل لأخيه: ما وردك الليلة؟ وكم تحفظ من القرآن؟ وبكم تختمه؟ وكم صليت البارحة؟ وهل أنت صائم؟ ... وكان الوليد بن يزيد صاحب لهوٍ وشراب وسماع، وكان الناس في أيامه يتشاغلون في الملاهي ويترخصون في النبيذ".
علينا إذن أن نغير من أنفسنا إلى الفضيلة حتى يُوَلًى علينا رجل الدولة، كما علينا أن نصلح من السياسي حتى لا ندين بدينه، وهذا هو التحدي الأعظم لثورة يناير الحبيبة، تلك الثورة التي اتخذت الجهاد السلمي سبيلا لتحقيق أهدافها، فعلى هذا الدرب لن نيأس أيتها الجماعة الفاشية.

0 هل عجبك الموضوع ..اكتب رأيك:

إرسال تعليق

مرحبا بالاصدقاء الاعزاء
يسعدنى زيارتكم وارجو التواصل دائما
Hello dear "friends
I am glad your visit and I hope always to communicate

 
جميع الحقوق محفوظة لــ انفراد