بقلم
أ.د. محمد نبيل جامع
أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية
هل سمعت عن رئيس دولة تَفْرِضُ عليه سلطة خارجية مهام عمله؟ قد تقول: نعم سمعت. الدستورُ مثلا، شرعيةٌ ثوريةٌ مثلا... أما أن تكون هذه السلطة جماعة نوعية مصلحية (أي ذات أغراض خاصة)، وحتى غير شرعية بالمعنى القانوني، وهي جماعة الإخوان المسلمين بمرشدها ونائب مرشدها "القوي الأمين" ومجلس شوراها "الحكيم"، فهذه بدعة.
وأليست كل بدعة .....؟. ناهيك طبعا عن الإعلان الدستوري فاقد الشرعية سواءً كان من صناعة المجلس العسكري ذي الذكرى "العطرة" أو من صناعة الفرد الزعيم الرئيس القائد محمد مرسي.
المهام الأساسية لرئيس الجمهورية حسب تراثنا الدستوري القديم هي التأكيد على سيادة الشعب، واحترام الدستور، وضمان سيادة القانون، وحماية الوحدة الوطنية، وإقامة العدالة الاجتماعية، ورعاية الحدود بين السلطات الثلاث المعروفة التنفيذية والقضائية والتشريعية وضمان التوازن بينها. أما رعاية العلاقات الخارجية وتطويرها فهذان أمران يمكن أن يؤكًدُ عليهما في الدستور المرتقب. أما أن يصبحا المهمة الأساسية للرئيس مرسي حاليا فهذا أمر يدعو للاندهاش. ولو كنت وزيرا للخارجية في حكومته الغراء لاستقلت، حتى لا أصبح "خيال مقاتة"، لأن ذلك معناه ببساطة شديدة أن الرئيس لا يثق في قدراتي وقدرات وزارة الخارجية للقيام بكل الأنشطة التي يقوم بها بنفسه حاليا بعد زيارته لتسع دول بداية بالسعودية والصين إلى أخر رحلاته التي تخطط باهتمام وتصميم للتوجه إلى دول أمريكا اللاتينية أيضا. هذا بالإضافة إلى أنك لو نظرت إلى هذه الرحلات ما شممت فيها إطلاقا رائحة أي دعم للاستقلال الوطني، بل ربما العكس تماما.
ولابد أن هذا الأمر يعني أيضا أن من يقوم برعاية أمور الدولة ليس هو الرئيس مرسى المنشغل تماما في هذه الرحلات غير المسبوقة لرئيس يريد بعد ثورة أن يعيد ترتيب منزله أولا. إذن فمن يقوم برعاية أمور الدولة؟ هم أهله وعشيرته التي لا يمكن أن يثق إلا فيهم، وهم جماعته الذين نصبوه هذا المنصب الرئاسي بالإضافة إلى الخمسة ملايين ناخب (10% من الناخبين المصريين) والذين انتخبوه في المرحلة الأولى من انتخابات الرئاسة. (لاحظ أن السبعة ملايين الآخرين الذين انتخبوه أمام شفيق كان معظمهم من مناصري أبو الفتوح وأبو اسماعيل والرافضين لشفيق)
يا سيدي الرئيس: مهامك الحقيقية تضع أولويات عملك، والتي ليست بالتأكيد هذه الجولات الحرة ذات التكلفة الباهظة ليس من حيث ما ينفق بسببها فقط ولكن من حيث ما كان يمكن أن يكتسب لو أن سيادتك تفرغت لمهامك الأصيلة من حيث التأكيد على العدالة الاجتماعية، خاصة وأن ثقافة سيادتك تعلمك أن الإسلام يقوم على التوحيد والحرية والعدل. ولا بد أن يكون الحزب الذي رشحكم للرئاسة اسما على مسمى. فهاهي الوحدة الوطنية، مسئولية سيادتكم الدستورية، لا زالت تُنتهك، حيث لم تتخذ أي إجراءات، أو حتى لم يعلن عن أية اهتمامات أو خطط لإزالة مسببات الانقسام الطائفي الذي لا زال فيه الأقباط يُهَجّرون من منازلهم وتضطر الدبابات إلى إعادتهم بعد طفح الكيل وبلوغ السيل الزبى. ما هي المشكلة في إعطاء الأقباط حقوقهم كاملة غير منقوصة؟ ليس هذا فقط بل بكرم وبأكثر مما يحلمون هم أنفسهم. الأقباط وطنيون عاشقون محبون مخلصون لوطنهم هذا، وهم الأصل، وهم من استقبلوا المسلمين الفاتحين لمصر واستوطنوها وأصبحوا أقباطا مصريين أيضا. الأمر يحتاج إلى تنفيذ حقيقي لمسئولية الرئيس، علما بأن إعطاء الأقباط حقوقهم كاملة غير منقوصة لن يسعد إسرائيل ولا أمريكا اللذين يستخدمان سلاح الفتنة الطائفية، كما يعلم العوام قبل الخواص، لتفتيت مصر والشرق الأوسط ووأد أية نهضة على أرض هذا الوطن الحبيب. وهذا يعنى بالضرورة أن الاستمرارَ في غبن الأقباط المسيحيين هو انبطاح واستسلام وخضوع لمخططات إسرائيل وأمريكا، تلك البلد الأخيرة الجميلة التي باعتنا من أجل إسرائيل. فلندع جميعا أن يجتهد المسلمون في أمريكا (وهم أربعة أضعاف عدد اليهود تقريبا) في تعديل هذا التحيز لإسرائيل عبر تقوية اللوبي الإسلامي هناك.
أما أمر العدالة الاجتماعية فحلها الجذري هو إجراءات عاجلة في ملف التشريعات المتعلقة بتوزيع الثروة وملف الاقتصاد لتنمية حجم الكعكة الإنتاجية الوطنية وإطلاق حرية المجتمع المدني لتشجيع المبادرات الفردية والجماعية وتحقيق الذات بالمشاركة الشعبية السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وإقامة وتحرير النقابات العمالية والفلاحية والمهنية. وأقسم لسيادتكم أن المعلومات العلمية اللازمة لتحقيق ذلك متوافرة تماما تماما تماما، ولا تحتاج إلا لمن يستخدمها. وإن أردت أن أبسط لسيادتكم الأمر للتمثيل فقط أرشح لسيادتكم التعاون مع المرشح الرئاسي السابق الأستاذ حمدين صباحي وفريقه العلمي لتنفيذ برنامجه الرئاسي الذي أكد على هذه الأمور جميعا. والمشروعات والإجراءات التنفيذية التفصيلية هي قيد الإرادة السياسية لسيادتك بالإضافة إلى اختيار وزارة كفوءة قادرة على تنفيذ تفاصيل هذا البرنامج.
وفي النهاية، أتساءل.... لماذا لا يكتب الإخوان المسلمون تاريخا عصريا حديثا لأنفسهم يعتمد أساسا على تحويل مسماهم من "الإخوان المسلمون" إلى "الإخوان المصريون" ثم يطبقوا تماما وبحق ووعي ما يريده المولى سبحانه وتعالى ورسوله الحبيب محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم؟ حينئذ فقط ستبقى الجماعة وحزبها، وإلا فانتظروا ذهاب الزبد جفاءً، وترحموا على تاريخ الجماعة، والشعب أوعى مما تظنون، وما يحدث لهذا الشعب أعظم مما تُقدرون، ولا ترهبونا بأنا علمانيون ملحدون، "والعبوا غيرها"، وطوبى لثورتنا الحبيبة التي أيقظتنا وأحيتنا وكشفت كثيرا من "المستغطي
أ.د. محمد نبيل جامع
أستاذ علم اجتماع التنمية بجامعة الإسكندرية
هل سمعت عن رئيس دولة تَفْرِضُ عليه سلطة خارجية مهام عمله؟ قد تقول: نعم سمعت. الدستورُ مثلا، شرعيةٌ ثوريةٌ مثلا... أما أن تكون هذه السلطة جماعة نوعية مصلحية (أي ذات أغراض خاصة)، وحتى غير شرعية بالمعنى القانوني، وهي جماعة الإخوان المسلمين بمرشدها ونائب مرشدها "القوي الأمين" ومجلس شوراها "الحكيم"، فهذه بدعة.
وأليست كل بدعة .....؟. ناهيك طبعا عن الإعلان الدستوري فاقد الشرعية سواءً كان من صناعة المجلس العسكري ذي الذكرى "العطرة" أو من صناعة الفرد الزعيم الرئيس القائد محمد مرسي.
المهام الأساسية لرئيس الجمهورية حسب تراثنا الدستوري القديم هي التأكيد على سيادة الشعب، واحترام الدستور، وضمان سيادة القانون، وحماية الوحدة الوطنية، وإقامة العدالة الاجتماعية، ورعاية الحدود بين السلطات الثلاث المعروفة التنفيذية والقضائية والتشريعية وضمان التوازن بينها. أما رعاية العلاقات الخارجية وتطويرها فهذان أمران يمكن أن يؤكًدُ عليهما في الدستور المرتقب. أما أن يصبحا المهمة الأساسية للرئيس مرسي حاليا فهذا أمر يدعو للاندهاش. ولو كنت وزيرا للخارجية في حكومته الغراء لاستقلت، حتى لا أصبح "خيال مقاتة"، لأن ذلك معناه ببساطة شديدة أن الرئيس لا يثق في قدراتي وقدرات وزارة الخارجية للقيام بكل الأنشطة التي يقوم بها بنفسه حاليا بعد زيارته لتسع دول بداية بالسعودية والصين إلى أخر رحلاته التي تخطط باهتمام وتصميم للتوجه إلى دول أمريكا اللاتينية أيضا. هذا بالإضافة إلى أنك لو نظرت إلى هذه الرحلات ما شممت فيها إطلاقا رائحة أي دعم للاستقلال الوطني، بل ربما العكس تماما.
ولابد أن هذا الأمر يعني أيضا أن من يقوم برعاية أمور الدولة ليس هو الرئيس مرسى المنشغل تماما في هذه الرحلات غير المسبوقة لرئيس يريد بعد ثورة أن يعيد ترتيب منزله أولا. إذن فمن يقوم برعاية أمور الدولة؟ هم أهله وعشيرته التي لا يمكن أن يثق إلا فيهم، وهم جماعته الذين نصبوه هذا المنصب الرئاسي بالإضافة إلى الخمسة ملايين ناخب (10% من الناخبين المصريين) والذين انتخبوه في المرحلة الأولى من انتخابات الرئاسة. (لاحظ أن السبعة ملايين الآخرين الذين انتخبوه أمام شفيق كان معظمهم من مناصري أبو الفتوح وأبو اسماعيل والرافضين لشفيق)
يا سيدي الرئيس: مهامك الحقيقية تضع أولويات عملك، والتي ليست بالتأكيد هذه الجولات الحرة ذات التكلفة الباهظة ليس من حيث ما ينفق بسببها فقط ولكن من حيث ما كان يمكن أن يكتسب لو أن سيادتك تفرغت لمهامك الأصيلة من حيث التأكيد على العدالة الاجتماعية، خاصة وأن ثقافة سيادتك تعلمك أن الإسلام يقوم على التوحيد والحرية والعدل. ولا بد أن يكون الحزب الذي رشحكم للرئاسة اسما على مسمى. فهاهي الوحدة الوطنية، مسئولية سيادتكم الدستورية، لا زالت تُنتهك، حيث لم تتخذ أي إجراءات، أو حتى لم يعلن عن أية اهتمامات أو خطط لإزالة مسببات الانقسام الطائفي الذي لا زال فيه الأقباط يُهَجّرون من منازلهم وتضطر الدبابات إلى إعادتهم بعد طفح الكيل وبلوغ السيل الزبى. ما هي المشكلة في إعطاء الأقباط حقوقهم كاملة غير منقوصة؟ ليس هذا فقط بل بكرم وبأكثر مما يحلمون هم أنفسهم. الأقباط وطنيون عاشقون محبون مخلصون لوطنهم هذا، وهم الأصل، وهم من استقبلوا المسلمين الفاتحين لمصر واستوطنوها وأصبحوا أقباطا مصريين أيضا. الأمر يحتاج إلى تنفيذ حقيقي لمسئولية الرئيس، علما بأن إعطاء الأقباط حقوقهم كاملة غير منقوصة لن يسعد إسرائيل ولا أمريكا اللذين يستخدمان سلاح الفتنة الطائفية، كما يعلم العوام قبل الخواص، لتفتيت مصر والشرق الأوسط ووأد أية نهضة على أرض هذا الوطن الحبيب. وهذا يعنى بالضرورة أن الاستمرارَ في غبن الأقباط المسيحيين هو انبطاح واستسلام وخضوع لمخططات إسرائيل وأمريكا، تلك البلد الأخيرة الجميلة التي باعتنا من أجل إسرائيل. فلندع جميعا أن يجتهد المسلمون في أمريكا (وهم أربعة أضعاف عدد اليهود تقريبا) في تعديل هذا التحيز لإسرائيل عبر تقوية اللوبي الإسلامي هناك.
أما أمر العدالة الاجتماعية فحلها الجذري هو إجراءات عاجلة في ملف التشريعات المتعلقة بتوزيع الثروة وملف الاقتصاد لتنمية حجم الكعكة الإنتاجية الوطنية وإطلاق حرية المجتمع المدني لتشجيع المبادرات الفردية والجماعية وتحقيق الذات بالمشاركة الشعبية السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وإقامة وتحرير النقابات العمالية والفلاحية والمهنية. وأقسم لسيادتكم أن المعلومات العلمية اللازمة لتحقيق ذلك متوافرة تماما تماما تماما، ولا تحتاج إلا لمن يستخدمها. وإن أردت أن أبسط لسيادتكم الأمر للتمثيل فقط أرشح لسيادتكم التعاون مع المرشح الرئاسي السابق الأستاذ حمدين صباحي وفريقه العلمي لتنفيذ برنامجه الرئاسي الذي أكد على هذه الأمور جميعا. والمشروعات والإجراءات التنفيذية التفصيلية هي قيد الإرادة السياسية لسيادتك بالإضافة إلى اختيار وزارة كفوءة قادرة على تنفيذ تفاصيل هذا البرنامج.
وفي النهاية، أتساءل.... لماذا لا يكتب الإخوان المسلمون تاريخا عصريا حديثا لأنفسهم يعتمد أساسا على تحويل مسماهم من "الإخوان المسلمون" إلى "الإخوان المصريون" ثم يطبقوا تماما وبحق ووعي ما يريده المولى سبحانه وتعالى ورسوله الحبيب محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم؟ حينئذ فقط ستبقى الجماعة وحزبها، وإلا فانتظروا ذهاب الزبد جفاءً، وترحموا على تاريخ الجماعة، والشعب أوعى مما تظنون، وما يحدث لهذا الشعب أعظم مما تُقدرون، ولا ترهبونا بأنا علمانيون ملحدون، "والعبوا غيرها"، وطوبى لثورتنا الحبيبة التي أيقظتنا وأحيتنا وكشفت كثيرا من "المستغطي
هذاموضوع رائع للغايه و نتمنى لكم التفوق المستمر
ردحذفRäumung - Räumung