آخر الأخبار
Loading...
السبت، 6 ديسمبر 2014

Info Post
بقلم / مدحت أبوالفضل المحامي بالنقض
أي دارس للقانون يدهشه- ويصدمه أحيانا- ما يجري في ساحة القضاء هذه الأيام منسوبا إليه.
حتى صرت أتشكك فيما درسته قبل خمسين عاما، وما مارسته انطلاقا منه في ساحات المحاكم طوال تلك المدة.
ولا أخفى أن ذلك الشك دفعني في مرات كثيرة إلى العودة إلى نصوص القانون وشروحه وإلى أحكام محكمة النقض للتثبت من معلوماتي القانونية التي بدأت تهتز خلال الآونة الأخيرة.
وفي كل مرة كانت دهشتي تتزايد وحيرتي تستمر، حتى كدت أقتنع بأننا صرنا بإزاء توظيف جديد للقانون، يستند إلى فقه يستند في مرجعيته إلى مبادئ جديدة غير التي درسناها وخبرناها، لتحري مقاصد لا تصب بالضرورة في ادعاء الدفاع عن الحق والعدل.
لدى عديد من الملاحظات في هذا الصدد، إلا أنني سأقتصر على إيراد ثلاث منها فقد تبرز الفكرة التي أدعيها وهو ما أوجزه فيما يلي:
* الملاحظة الأولى تتعلق بالدعاوى التي تنظرها محكمة الأمور المستعجلة.
ذلك أن ما تعلمناه في دراسة القانون، وما درج عليه العمل طول الوقت أن شؤون الأحزاب من اختصاص القضاء الإداري وليس القضاء العادي، مستعجلا كان أم غير مستعجل.
والمستقر قانونا في هذا الصدد أن قاضى الأصل هو قاضى الفرع، بمعنى أن هذا الاختصاص المعقود للقضاء الإداري بخصوص الأحزاب السياسية
كما يشمل الشق الموضوعي من النزاع المتعلق بالحزب السياسي،
يشمل كذلك الشق المستعجل منه، وهو ما نخلص منه بأنه لا اختصاص لقاضي الأمور المستعجلة بأي شأن يتعلق بالأحزاب السياسية
وفي حالة ما إذا عرض الأمر على قاضى الأمور المستعجلة فإن للقاضي أن يقضى في النزاع المطروح أمامه من ظاهر الأوراق بقضاء وقتي لا يمس أصل الحق، ليبقى ذلك الحق سليما أمام محكمة الموضوع صاحبة الاختصاص الأصلي.
إلا أن ما جرى من قضاء من محكمة الأمور المستعجلة في الآونة الأخيرة عصف بكل هذا الذي تعلمته ومارسته، فضلا عما هو مستقر في الفقه القانوني.
لذلك فعندما يقضي قاضي الأمور المستعجلة بحل حزب سياسي منهيا وجوده بحكمه، فما الذي يبقى لقاضى الموضوع كي يقضي فيه؟
ذلك سؤال يحيرني فلا أجد له إجابة. فهل من مجيب يرد ردا قانونيا مقنعا لا علاقة له بالسياسة؟
* الملاحظة الثانية تتعلق بقواعد الاستدلال المتبعة في المحاكم الجنائية.
ذلك أن ثمة شائعة سرت هذه الأيام مفادها أن المحكمة الجنائية تقضي في الدعوى المعروضة عليها بما هو مسطور لديها في الأوراق.
وذلك قول فاسد لأن أي دارس للقانون فضلا عن أن يكون مشتغلا به يعلم أن الأصل في المحاكمة الجنائية هو ما يعرف بشفوية الإجراءات.
وهو ما يعني في لغة القانون أن على القاضي أن يحقق الدعوى الجنائية بنفسه أي يحقق الدعوى من جديد ويسمى هذا بالتحقيق النهائي تمييزا له عن التحقيق الابتدائي الذي تجريه النيابة العامة.
الأمر الذي يعنى أن اقتناع المحكمة يجب أن يكون مستمدا من الدليل الذي تحققه هي بنفسها.
كذلك من المبادئ التي تميز الدعوى الجنائية عن الدعوى المدنية، ما يعرف بالدور الإيجابي للقاضي.
فالقاضي الجنائي، على خلاف قاضى الدعوى المدنية غير مقيد بما في الأوراق، فله أن يطرح ما فيها جانبا، ويقوم بتحقيق الدعوى من جديد منطلقا من النقطة التي يرى أنها ستوصله إلى الحقيقة فيها.
بكلام آخر فإن مقولة إن القاضي الجنائي مقيد بما في الأوراق المطروحة أمامه هو قول لا علاقة له بصحيح القانون.
والقول بغير ذلك فضلا عن مخالفته القواعد الأصولية التي تحكم الفصل في الدعوى الجنائية، فإنه يجعله مقيدا بتحقيقات لم يجرها بنفسه، ولهذا فمن المقرر أنه ليس للتحقيق الابتدائي كله أي حجية في الإثبات، بما في ذلك التحقيقات التي تجريها النيابة العامة
(مبادئ الإجراءات الجنائية الدكتور رؤوف عبيد- الطبعة الثالثة عشرة ض 541).
وفي خصوص ما عرف بقضية القرن، فقد كان من الواضح ابتداء أن ملف الدعوى تورم بآلاف الصفحات من التحقيقات التي لا يطمأن إلى أنها تمثل تحقيقا متوازنا للأحداث يمكن أن تتحقق به العدالة، لا لعلة فيمن يجرى الحقيق، بل لأن الجهة المنوط بها جمع الأدلة، وهي الشرطة، هي في واقع الأمر المتهم الحقيقي في القضية كهيئة وليس كبعض أفراد منها، ولا يمكن عقلا أن تقدم دليلا يدينها.
لذا كان على من ينظر الدعوى أن يتفلت في تحقيقها من إسار هذه التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة، وان ينطلق من نقطة تقع خارجها.
وليس هناك أدق ولا أفضل من تقرير تقصى الحقائق الذي أجرته لجنة شبه قضائية كى يجعل منه مدخلا للتحقيق النهائي الذي تجريه المحكمة،
وذلك بأن تحقق بنفسها مرة أخرى كل الأدلة التي أشار إليها ذلك التقرير، فضلا عن سماع أقوال من أجروه كشهود في الدعوى.
* الملاحظة الثالثة الصادمة لمن درس القانون أو مارس المحاماة أن الكثير من أحكام الإدانة في الجنايات والجنح استندت فيما قضت به إلى محاضر التحريات التي تجريها الجهات الأمنية،
وذلك خطأ محض لأنه من المقرر الذي كان مسلما به قبل 30 يونيو 2013 أن التحريات لا تصح وحدها أن تكون قرينة فضلا عن أن تكون دليلا تنبني عليه إدانة في قضية جنائية، باعتبار أنها تعتبر من الناحية القانونية رأيها شخصيا لمجريها.
ولمحكمة النقض كلام حاسم وواضح في ذلك.
من ذلك قولها أن «التحريات لا تصح وحدها لأن تكون قرينة معتبرة أو دليلا أساسيا على ثبوت الجريمة،
واستناد الحكم على عقيدة حصلها الشاهد من تحرياته لا على عقيدة استقلت من المحكمة بتكوينها بنفسها يعتبر قصورا في التسبيب».
(نقض 3/11/1988 أحكام النقض من 39 ق 153 ص 1112).
إن الكثير من مفاصل الدولة المصرية أصابها التفكك، وأعرب عن خشيته من أن تلقى منظومة القانون ذات المصير
و ذلك ينذر بشر مستطير، لأنه إذا غاب صحيح القانون عن المشهد اختلت العدالة
وإذا اختلت العدالة انفسح الطريق أمام العنف، وصار ممهدا أمام الإرهاب، والعياذ بالله».

0 هل عجبك الموضوع ..اكتب رأيك:

إرسال تعليق

مرحبا بالاصدقاء الاعزاء
يسعدنى زيارتكم وارجو التواصل دائما
Hello dear "friends
I am glad your visit and I hope always to communicate

 
جميع الحقوق محفوظة لــ انفراد