آخر الأخبار
Loading...
الاثنين، 21 نوفمبر 2016

Info Post
محمد عبد الجواد يكتب المصريون .. وفن صناعة الآلهة !!!
منذ فجر التاريخ وقبل أن يعرف العالم أى شئ عن الحضارة ولا حتى الكتابة كان المصريون هم أهل الحضارة والفن وتنوعت فنون المصريين القدماء من تشييد المعابد ونحت التماثيل بدقة متناهية وأبعاد متناسقة وبناء المقابر التى مازالت تبهر العالم حتى يومنا هذا بخلاف تميزهم فى علوم الفلك والرياضيات والهندسة والتحنيط وخلط الألوان واختراع آلات الحرب والزراعة كل هذه الأمور ميزت المصريين القدماء وانتجت حضارة مذهلة مازالت تحير العالم ولم تبح بكامل أسرارها حتى يومنا هذا .
 المصريون برعوا فى فن آخر لم ينافسهم فيه أحد على مستوى العالم حتى يومنا هذا آلا وهو فن صناعة الآلهة من الحكام والوزراء وكبار المسئولين فى الدولة دون أن يطلب منهم أحد القيام بهذا الفن ولأنهم اتقنوا الفن والصناعة وقدموا متطوعين فروض الولاء وقرابين الطاعة للحكام والمسئولين حتى صدق الحكام أنفسهم واقتنعوا أنهم آلهة فطغوا وتجبروا على الشعب بأكمله لدرجة أن فرعون موسى خاطبهم بطغيان وخيلاء قائلا (( أنا ربكم الأعلى )) ومن فرط طغيانه جاء الرد الالهى مزلزلا (فأخذه الله نكال الأخرة والأولى) وبلغ فرعون قمة تجبره وتعاليه وغروره لدرجة أنه خاطب المصريين كما ورد فى القرآن الكريم بقوله ((( ونادى فرعون في قومه قال ياقوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون ( 51 ) أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين ( 52 ) فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين ( 53 ) فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين ( 54 ) فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين ( 55 ) فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين ( 56 ) ) . ولكن الرد الالهى على هذا التطاول لم يتأخر كثيرا وهلك فرعون ومن معه ولكن الله أخرج جسده من البحر ليتم تحنيطه ويظل مزارا لكل سكان العالم مصداقا لقول الله تعالى ((فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92) .
 وعلى مدار كافة العهود والعصور التى تلت الحقبة الفرعونية أدمن المصريون فن صناعة الآلهة باستثناء الحقبة الاولى لدخول الاسلام إلى مصر ولكن مع مرور السنوات عاد المصريون لسابق عهدهم وبدأوا من جديد فى إحياء الفن الوحيد الذى حافظوا على اتقانه وتجويده وهو فن صناعة الآلهة منذ بداية الدولة الاموية مرورا بالدولة العباسية وما تلاها حتى حقبة المماليك وحتى عندما جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر عام 1798 انبرى من بينهم من سعى لتأليهم الغزاة المحتلين وبعد طرد الفرنسيين وقيام دولة محمد على واصل المصريون السيرعلى نفس الطريق وآلهوا الحكام والباشاوات والاقطاعيين بسبب إدمان طائفة منهم فنون النفاق والمراوغة فازداد الاغنياء غنى وازداد الفقراء فقرا وخلال حقبة الاحتلال الانجليزى لمصر والذى دام لمدة 74 سنة من سنة 1882 وحتى عام 1956 انقسم المصريون إلى فريقين فريق أدمن تأليه الخديوى وحاشيته وفريق سعى لتأليه المندوب السامى البريطانى والموالين له داخل قصور الحكم .
 وحينما قامت ثورة 1952 على الظلم والطغيان والفساد تنفست مصرا هواءا جديدا فى ظل رحاب المبادئ النبيلة للثورة ولكن سرعان ما نكص المصريون على عقبيهم وبدأوا فى تمجيد وتأليه جمال عبدالناصر ورجاله رغم أن الظلم تم القضاء عليه ظاهريا من خلال قانون الاصلاح الزراعى الذى وزع الأراضى الزراعية على الفلاحين الأجراء ليصبحوا ملاكا وظهرت مجانية التعليم والتحق أبناء الفلاحين بالجيش والشرطة وتبوأوا فيهما المناصب القيادية ولكن ظل فن التأليه محفورا فى ضمائر المصريين وانتقل من الشعب إلى الاعلام الذى تم تأميمه وأصبح مملوكا للدولة فأضاف الاعلاميون الجدد فى هذا العهد تجويدا جديدا على فن صناعة الآلهة لدرجة أنه حينما وقعت نكسة 1967 وخسرت مصر الحرب أمام إسرائيل بصورة مذلة ومهينة مهد الاعلام الطريق أمام الشعب للخروج فى مظاهرات حاشدة تطالب جمال عبد الناصر بعدم التنحى وترك الحكم رغم أنه هو ورجاله يتحملون الهزيمة كاملة.
وفى حقبة السادات سار الاعلام على نفس النهج ووضع لبنة جديدة فى جدار صناعة الآلهة وانبرى للدفاع عن كل قرارات الدولة وبالتالى كان المروجون لهذا الاتجاه هم أكثر المستفيدين من عمليات النصب والاحتيال وغسيل المخ التى يمارسونها ليل نهار لتضليل الشعب . وبعد اغتيال السادات وتولى حسنى مبارك مقاليد امور الحكم صارت الأمور بشكل هادئ لعدة سنوات ولكن يبدو أن حملة المباخر وورثة جينات صناعة الآلهة لم يروق لهم الأمور فبدأوا صراعا ضد عقارب الساعة لإعادة إحياء فن صناعة الآلهة من جديد وتعويض كل ما فاتهم خلال سنوات الركود القليلة وعاد صناع الآلهة بفنون جديدة وتكتيك مختلف فطوروا الفكرة من تأليه الحاكم فقط إلى تأليه الوزراء وأبناء الرئيس وزوجته وكبار رجال الحزب الوطنى ووزراء الوزرات الثرية مثل الاعلام والاسكان والاتصالات والاقتصاد فنجحوا من خلال هذا النهج فى تجريف كل خيرات مصر وانتفخت كروشهم وتضخمت حساباتهم البنكية هم وأبنائهم وزوجاتهم وتجمعت خيرات مصر فى يد حفنة قليلة من رجال السياسة والاعلام وبرزت على السطح بقوة طائفة الانتهازيين من رجال الأعمال فدفعوا بسخاء لتمويل الحزب الوطنى ورجاله ووزرائه فجنوا مكاسب كبيرة ساعدتهم على مضاعفة ممتلكاتهم أكثر من 100 مرة خلال سنوات معدودة وحصلوا على الاراضى والمصانع والطاقة اللازمة للتشغيل بلا مقابل او بمقابل زهيد جدا وبنوا المنتجعات السياحية وامتلكوا كل شئ فى الدولة حتى الهواء الذى يتنفسه الشعب.
 ولأنهم قرأوا المشهد جيدا من البداية وعرفوا أن عوامل قوتهم أقوياء تتلخص فى المثل الشعبى القائل (( اطعم الفم تستحى العين )) فقد سخر كل رجل أعمال مجموعة من الاعلاميين الجدد الذى يمكن ان نطلق عليهم بلا مبالغة الانتهازيون الجدد لخدمة أغراضه ومصالحه مقابل دفع رواتب شهرية لهم وتقديم هدايا عينية ومالية لضمان ولائهم له وشراء ضمائرهم من أجل الدفاع عنه حال حدوث مشكلة بينه وبين الدولة بجانب التمويل الذى وفره رجال الاعمال للصحف والقنوات الفضائية من خلال الاعلانات أو شراء نسخ بأعداد كبيرة من الصحف التابعة لهم للايعاز بأنه ذات تأثير كبير على الرأى العام أو تمويل برامج معينة لخدمة أهدافهم فى الفضائيات.
 ولأن رجال الأعمال خلال أخر 15 سنة من حكم مبارك وصوا إلى مرحلة الآلهة بفعل فاعل واقتنعوا بهذا الأمر دخل فن صناعة الآلهة منعطفا جديدا ألا وهو لماذا أقوم بتمويل الصحف إذا كنت قادرا على إمتلاكها بالكامل أو من خلال شراكة مع رجال أعمال آخرين حتى ولو كانوا منافسين فبدأ رجال الأعمال فى امتلاك الصحف الخاصة والقنوات الفضائية لتكون أذرع إعلامية لهم تحارب الدولة نيابة عنهم متى شاءوا وأرادوا ووجدوا ضالتهم فى الانتهازيين الذين تربوا فى حجورهم فوزعوا عليهم المناصب القيادية فى الصحف والفضائيات التى حقتت نجاحا كبيرا فى البداية لا يمكن أن ينكره إلا مضلل لأنه ظهرت بلون جديد وفكر جديد وآليات وادوات لم يكن الشعب معتادا عليها خلال حقبة الاعلام الشمولى . 
فن صناعة الآلهة تطور أكثر بعد 25 يناير 2011 واتسعت القاعدة الشعبية له ولم يعد مقصورا على الحكام والوزراء ورجال الأعمال ولكن ضم النشطاء السياسيين والاعلاميين وجيل جديد من رجال الأعمال وصار لكل منهم دراويشه ومريديه ويحضرنى هنا أنا أحد رؤساء تحرير الصحف القومية ذهب إلى الحج وبعد عودته تبارى صحفيوا المؤسسة إلى مكتبه لتهنئته فقال له أحد الصحفيين حج مبرور وذنب مغفور ياريس فانتفضت أحد الصحفيين المصابيين بفيروس صناعة الآلهة الفتاك للرد عليه قائلا (( انت بتقول إيه .. ذنب إيه اللى مغفور .. هو الريس عنده ذنوب يا ابنى )) ومع تطور فن صناعة الآلهة تطورت اليد اليمنى لصناعته وهى الاعلام فتوسع رجال الاعمال والمغامرون فى إنشاء المواقع الالكترونية التى انقسمت إلى عدة أقسام منها من ناصب الدولة العداء لأسباب تتعلق بأصحابها ومنها من هاجم الدولة للحصول على مكاسب أو تجنب الخسائر ومنها من نصب نفسه محاميا عن الدولة بلا وعى أو عقل ومنها من سعى للظهور بشكل متوازن ولكن فضحته نوايا ملاكه وظهر عدد كبير من الاعلاميين المنبطحين الذين لايرون للدولة عيوبا بتوجيهات من أسيادهم وأولياء نعمتهم لما لا وهم تبوأوا مناصب ما كانوا ليصلوا إليها لوعاشوا 100 عام زيادة على أعمارهم لأن غالبيتهم يفتقد الى أبسط القواعد المهنية ولا يجيد سوى فنون التآمر الصراخ والعويل والتطاول على كل من يعارضه فى الرأى . كثرة الأموال التى يتقاضاها الاعلاميون أدخلتهم دائرة الآلهة المصنوعة مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعى والسوشيال ميديا فأنشأ معظمهم صفحات على الفيس بوك أتى لها بأدمن ينشر له أخباره وأرائه الظلامية عليها وكأنهم يحاولون ان يوصلوا رسالة لأولياء نعمتهم مفادها إن كنا نحن حولناكم إلى آلهة فنحن كذلك أو على الأقل أنصاف آلهة لنا معجبين ومحبين وموالين ودراويش يهتمون بأخبارنا ولكنهم نسوا أو بالأدق تناسوا أنهم هم ومن صنعوهم ليس أكثر من آلهة من العجوة يأكل بعضهم بعضا حينما يشعرون بالجوع

0 هل عجبك الموضوع ..اكتب رأيك:

إرسال تعليق

مرحبا بالاصدقاء الاعزاء
يسعدنى زيارتكم وارجو التواصل دائما
Hello dear "friends
I am glad your visit and I hope always to communicate

 
جميع الحقوق محفوظة لــ انفراد